على عتبات عام جديد.. دع القلق وابدأ الحياة
على عتبات عام جديد.. دع القلق وابدأ الحياة
على عتبات عام جديد، لا سيما في ظل الإرث سيئ الذكر لـ2021، تبدو البشرية تحت ضغوطات غير إعتيادية، حيث الجائحة لا تزال جاثمة على صدور البشر، ومخاوف التضخم الاقتصادي تتربص بالبشر وراء الأبواب.
في هذه الأجواء غير السوية يبدو من الطبيعي أن يتهدد القلق الجميع ، ويهم الاكتئاب البشر من أقاصي الأرض إلى اقاصيها ، غير أن الاستسلام لمثل تلك المشاعر يؤدي بالجميع إلى الصدام والخصام ، وعليه يبحث الجميع عن كيفية التعامل مع هذه الأجواء في السنة الجديدة.
لعله من أوائل الكتاب والمفكرين الذين تناولوا قضايا ما يعرف في حاضرات أيامنا باسم التنمية البشرية ، كان الكاتب الأمريكي الأشهر “ديل كارنيجي”، وقد عرفته خمسينات وستينات القرن الماضي عبر كتابيه الشهيرين الأول: “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس”، والثاني: “دع القلق وابدأ الحياة “.
من كتاب كارنيجي الأخير اخترنا لكم هذه القراءة والتي تصلح للجميع من الكبار والصغار ، الشباب والشابات ، من كل المهن والجنسيات فمن منا لا يود أن يتجنب الفشل في حياته.. فما الذي يقوله لنا كارنيجي في هذا الإطار ؟
لا تتسرع….هناك أشخاص لا قدرة لهم على تركيز تفكيرهم ، فهم يشرعون في تعلم هذا الشيء ، ثم ذاك ، ثم شيئاً ثالثاً، ولكنهم لا يتمون تعلم شيء من كل هذا أبداً رغم شدة رغبتهم في العلم، لعجزهم عن استيعاب المعلومات اللازمة، وبذلك يستقر في أذهانهم أنهم محرومون من الاستعداد العقلي الذي يتمتع به الآخرون.
على أنه كثيراً ما يكون سبب فشل هؤلاء كونهم يتمتعون بقدرة عقلية أو استعداد ذهني أكبر مما يحتاجونه للنجاح. فيكون أحدهم مثل سيارة قوية أدار سائقها محركاتها وفراملها المحكمة مقفلة ، فيستنفذ كمية من الوقود عظيمة دون أن يتقدم في طريقه خطوة واحدة.
وقد جاءنى يوماً أحد الطلاب شاكياً نقص قدرته على تركيز ذهنه، فهو يقضي الساعات تلو الساعات في الدرس، ولكنه لا يستطيع حصر ذهنه في الموضوع الذي يستذكره ، أو يبحثه، وأثبت التحليل أنه أكره على اختيار تلك الدراسة من أبيه ، ثم ثار عقله الباطن على ذلك الوضع التحكمي وقام بعمل الفرامل لتعطيل المضي في ذلك السبيل.. فأصبح مقيد النشاط، مهما يبذل من الجهد العقلي، بسبب تلك المقاومة السلبية السرية التي لجأ إليها من حيث لا يشعر لعدم شجاعته في مصارحة نفسه ومصارحة أبيه.
فإذا كان العجز عن التركيز أو حصر الذهن هو السبب في فشلك شخصياً ، فإني أنصحك بأن تواجه ما في نفسك من انقسام وما في سريرتك من معارضة مكتومة مواجهة صريحة ثم تعمل على ذلك بعقل وتدبر ، وثق بأن عقلك لا يقل في قدرته عن أي عقل، وبأن استعدادك على أحسن ما يكون، وإنما عليك أن تواجه الواقع، ، ولا تتردد في إجراء التعديلات اللازمة ولو أدى ذلك إلى إغضاب من تريد إرضاءهم.. ولسوف تشعر بعدئذ بسعادة كبيرة تشيع في نفسك وفي حياتك ، وتجد لديك قدرة على تركيز ذهنك.
وهناك نوع ثانٍ من الفشل يرجع إلى شعور صاحبه بأن هناك من يراقبه ليضع عمله وكفاءته في الميزان.. فإذا كان ذلك حالك ، فيجب أن تبحث عن الأسباب التى تشل جهودك. فقد تكون إنساناً ضميره غاية في الحساسية، شديد العناية والاهتمام واللهفة كي تبذل خير ما في استطاعتك في عملك ، وتخشى أن تقصر عن الغاية العظمى من النجاح في نظر ممتحنيك ، فتضطرب وتتعثر.. ولهذا عليك أن تتعقب آثار تلك الرقابة إلى عهد طفولتك ، وحاول أن تعرف من الذى كان يترصد هفواتك كي ينحي عليك باللوم والتعنيف في غير عطف أو رفق، ومن الذي كان يتهددك عند أدنى تقصير ويتوعدك بالعقاب والتشهير ، ويتركك نهباً للخوف والمذلة والقهر.
الرعب الدائم.. كان هناك طالب ذكي مجتهد أحق بالنجاح من أقرانه ، ولكنه كان يرسب دائماً في الامتحان ، حتى عرف السبب بعد التحليل النفساني فاتضح أن والده المتزمت ضبطه يوماً وهو يهدد اخوته الصغار فنهره وهدده إن هو عاد لمثل ذلك مرة أخرى، فإنه سيقتله.
ولو أن شخصاً أكبر منه سناً هُدد بذلك لضحك استخفافاً ولكن الطفل على العكس من ذلك ، عاش بقية عمره في رعب دائم من هذا التهديد ، ورسب الشعور بالإثم والذعر في عقله الباطن ، حتى إذا كبر حاول أن يقنع نفسه بأن تنفيذ ذلك العقاب البشع غير معقول ، وبأن الأشباح الخفية الموكلة بمراقبته والتجسس عليه لا وجود لها، واستطاع أخيراً أن يسدل ستار النسيان على تلك الأفكار الخرافية ، ولكنها رسبت في وعيه الباطن .. حتى إذا تقدم إلى أي امتحان مهم ، استولى عليه ذعر لا يدرى كنهه ، فينسى كل معلوماته.
ويتفق أحياناً أخرى أن يكون الوالدان متلهفين أعظم اللهفة على نجاح ولدهما، فيكون ذلك سبباً في إشاعة الرعب في نفس الطفل ، إذ يصاب تقدير ذلك الطفل لنفسه بغضب واضطراب ، ويشب ضعيف الهمة ناقص الشخصية ، وقد استقر في دخيلة نفسه أنه لن يبلغ الدرجة المطلوبة منه أو المنشودة له.
فإذا كان ذلك هو الوضع الذي تجد نفسك فيه، فليس عليك إلا أن تعرف من هو الذى أشاع الخوف في نفسك وأنت طفل صغير، أو الذي جعل المستوى المنشود لك في الحياة مستوى عالياً جداً ليتحدى همتك ويثبط عزيمتك .. ثم أعمل على أن تبدد هذه الأوهام كلها، بحيث تتخلص منها ، وترسم لنفسك المستوى الذي يناسبك دونما قيد أو قسر.
وعليك أيضاً أن تبني تقديرك لنفسك وثقتك بها حتى يزول عنك وهمك .. بأن جميع الناس خير منك استعداداً وأصدق منك نظراً وأرجح عقلاً وأحسن رأياً.
ومتى وثقت بنفسك، وتحررت من متاعب طفولتك فقد وضعت قدمك على أولى درجات النجاح.